أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعقل النَّاس ولا يوجد أعقل منهم ولا أذكى، وعندما سمعوا هذا الكلام منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبحوا يشتاقون إِلَى رؤية الله -تعالى- حتى قال عبد الله بن مسعود وهذا مما له حكم المرفوع: {إن منازل النَّاس من رؤية الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في الجنة كمنزلتهم منه في الحضور إِلَى صلاة الجمعة} فمن يبكر إِلَى صلاة الجمعة ويكون في الصف الأول؛ فإنه يكون يَوْمَ القِيَامَةِ في مقدمة من يرى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فالصحابة رضوان الله تَعَالَى عليهم كانوا يفهمون هذا المعنى وكانوا يحثون التابعين وتلاميذهم عَلَى المبادرة والتبكير إِلَى صلاة الجمعة مقرين بهذا الأمر بأنكم ترون ربكم بمقدار ما تبكرون وتسبقون إِلَى صلاة الجمعة، فيكون النَّاس صفوفاً لرؤية الله تَعَالَى وأقربهم وأدناهم منه منزلة أقربهم إِلَى الإمام في يوم الجمعة، فكان هذا الذي فهمه الصحابة -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُم- وربوا عليه من بعدهم.

فياترى من هو أكمل عقلاً: أفلاطون أو أرسطوأو الجهم وغيرهم ممن أعمى الله بصائرهم من أهل الشرك والوثنية والمجوسية، أم الصحابة رضوان الله عليهم؟ العقل الحقيقي، والفهم الصحيح، والعقلاء لا ينفون ذلك؛ بل يقول: [وليس في العقل ما يحيلها؛ بل لو عرض عَلَى العقل موجود قائم بنفسه لا يمكن رؤيته لحكم بأن هذا محال] لقال العقل: إن هذا محال، فما الذي جعل رؤيته مستحيلة وهو موجود قائم بنفسه؟ إن العقل السليم النقي لا يقول بذلك، ولا يحكم به؛ بل يستغرب ويتعجب! كيف لا وهو أعظم الموجودات، والموجودات الأخرى ما هي إلا آثار من موجوداته سبحانه.

قَالَ المُصنِّفُ رحمه الله تعالى: [وقوله: لمن اعتبرها منهم بوهم أي: توهم أن الله تَعَالَى يرى عَلَى صفة كذا فيتوهم تشبيهاً] فأول ما يأتي عَلَى ذهن أهل التأويل: يأتيهم الشيطان بوهم وبتشبيه معين، ثُمَّ بعدها يتوهمون أنهم إذا أثبتوا ما توهموه من الوصف فهم مشبهة، فانقسموا نوعين: منهم من أثبت هذا الوهم الذي ألقاه الشيطان في ذهنه، فهذا هو المشبه الذي يشبه الله -تعالى- بخلقه، والبعض الآخر قَالَ: مادام أنه لا يوجد إلا هذا الشكل فأنا أنفي الرؤية كليةً وأنفي الشكل الذي ألقاه الشيطان في ذهني! وذلك لأنه لم يتصور هذه الصفة إلا بهذا الشكل، فنتج عن ذلك أنه أنكرها بالكلية.
فيقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [إن اثبت ما توهمه من وصف فهو مشبه، وإن نفى الرؤية من أصلها لأجل ذلك التوهم فهو جاحد معطل، بل الواجب دفع ذلك الوهم وحده] فإذا دفعت هذا الوهم عن عقلك فستجد نفسك بعد ذلك أنك تؤمن بأنه -تعالى-
((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ))[الشورى:11] وتؤمن بأنه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُرى، ويزول عنك كل تناقض قد يرد بل هذا هو الذي يؤمن به العقل وتؤمن به الفطرة يقول: [ولا يعم بنفيه الحق والباطل] ينفي الدليل وينفي الوهم [فينفيهما رداً عَلَى من أثبت الباطل] والصحيح والواجب هو رد الباطل: وهو التوهم والتشبيه وإثبات الحق: وهو الإثبات إثبات الصفة أو المعنى المضاف إِلَى الربوبية [وإلى هذا المعنى] أي: معنى إثبات الحق ورد الباطل أشار الشيخ -رحمه الله تعالى- بقوله: [ومن لم يتوق النفي والتشبيه زل ولم يصب التنزيه].